معركة وادي اللبن ..عندما سحق المغاربة العثمانيين
السَّلْطنُة العثمانية تَبْتَلِعُ كلُّ دُوَلِ المشرق العربي وجزءًا كبيرًا من أوروبا. ... لا شيء يقف في وجه جيوش الإنْكِشَارِيين سقوطُ المُدُنِ واحتلالها ليس أكثر من مسألة وقت.
دُوَلُ إفريقيا العربية تَتَهاوى تحت سيوفِ العُثمانِيين تِبَاعًا منذ مطلع القرن السادس عشر مصر عام 1517 والجزائر 1515و ليبيا 1551وتونس. 1574 الرَّغْبَةَ المَحْمُومة لإتمام السيطرة على الشمال الإفريقي لا يُشْبِعُهَا إلا غَزْوِ المغرب الأقصى.
لكن عامَ 1558 حمل النَّبَأَ الصاعقة للصَّدْرِ الأعْظَمْ وسُلْطَانِهِ فجَيْشُ العُثْمَانيين الجرَّار سُحِقَ بسيوفِ الأشْرَافِ السَّعْديِّين المغاربة في معركة وادِي اللَّبَنْ. التي أَجْهَضَتْ حُلْمُ العُثْمَانِيين بإحتلال المغرب. لتَبْقَى الدولة العربية الوحيدة التي لفَظَتْ العثمانيين وتَكَسَّر جَيْشُهُم على أسْوارِها ، فَلَا اغْتِيَال سُلطان المغرب أحْبَط السَّعْدِيِين ولا الأسلحة المتطورة والجنود المُتَمَرِّسون والجَحَافِلِ الجرَّارَة أخافت الْمَغَارِبَة إليكم القصة .!
بدأت حِكَايَة عِصيانِ الأشرَاف السَّعديِّين للعثمانيين
عام 1550 عندما هاجم السلطان السَّعْدي أبو عَبدِ الله محمد الشَّيخ مدينة فاس وطَرَدَ مِنْهَا بَنِي وطَّاسْ اللَّذِينَ قَبِلُوا بِالتَّبَعِيَة لِلْعُثْمانِيين وخَطَبُوا بإسم السُّلطان
سُلَيْمَان القَانُونِي فَوْقَ مَنَابِرِها قبل أن يَتوجَّه أبو عبدِ الله الشيخ إلى الجزائر عازِمًا على طردِ العثمانيين منها فحَاصَر تِلِمْسَانْ وكَانَ دُخُولِها عام ألف وخمسمائة وخمسين بعد أن حاصَرَها تسعة أشهر ونُفِيَ التُّرْكُ عَنْها وانتشر حُكْمُهُ حتى وادِ شْلَفْ إلى أن هَجَم عليه العثمانيين بالتَّزَامُنِ مَع هَجَمَاتِ الأوروبيين جعله يعود بِجُيُوشِه إلى مَقَرِهِ في فاس ليُرَكِزَ بجهوده على الدٍِفاعِ عن المَغْرِب أمام الهجوم العُثمَاني من جهة والإِسْبَّاني والبُرتغَالي من جهة اخرى.
تَجْمَعُ مَصادِرُ التاريخ أنَّ أبو عبد الله الشيخ كان كارهًا للعثمانيين حتى رأى بِهِم خطرًا على العَرَب أيْنَمَا حلُّوا وهو ما تَجَلَّى في قولِهِ بِحَسَبِ المؤرخين لابُدَّ لِي من غَزْوِ مِصر وأُخْرِجَ التُّرك من أجْحارِها وكان يطلق لِسَانُه في السُّلطان سُلَيْمان القَانُوني ويُسَمِّيهِ بِسُلطان (الحَوَّاتَا) لأنَّ الأَتْرَاكَ كانوا أصحابَ أساطيل وسفر في البحر
ألعِداءُ الكَامِن بين الشيخ السَّعْدي والقَانُوني لَمْ يمنع الأخير من الإنقلاب على حُلَفَائِهِ من بَنِي وطَّاس وإرسالَ كتَابٍ إلى أبي عبد الله الشَّيخ يُهَنِّئُهُ بِالمُلْك ويطلب منه الدعاءَ له على منابر المغرب ويكتب إسمه على السِّكة كما كان يفعل بَنُو وطَّاسْ فَكان جوابَ سُلطانِ المغرب بِبِضْعِ كلمات وهي لا جوابَ لك عندي حتى أكون بِمِصْرٍ إن شاء الله وحِينَهَا أكتبُ لسُلْطَانِ القوارب، ردَّة فِعْلِ السُّلطانِ القَانُونِي لم يَكُنْ كما كان مُتَوَقَّعًا بإرْسَالِ الفَيَالِقَ والجنود بل أخَذَ بِنَصِيحةَ صَدْرِهِ الأعظم الذي أشار عليه بإغتيال أبي عبد الله الشيخ.
فأرسَلَ له جماعةً من 12 قاتِلاً مُحْتَرِفًا لإغتياله مقابلَ إثنا عشر ألف دينار مع رشْوَةِ صالِحْ الكَاهِيَة وهو قائد تركي انضمَّ للسُّلطان السَّعدي بعد هزيمة بني وطَّاسْ، ولمَّا وصلت سارِيَة الإغتيال ادَّعَت أنها تَسْتَجِيرُ بالسُّلطان فأجارَها أبو عبد الله الشَّيخ وأمر لكُلِّ فارسٍ بالخَيْلِ والسِّلاح وظلُّوا يَدْخُلُونَ عليه كلَّ صباح ويُقَبِّلون يَدَهُ حتَّى وَجَدُوا الفرصة بالسُّلطان السَّعدي في غَفْلَةٍ من حُرَّاسه ودَقُّوا عُنُقَه وحَمَلوا رأسه الى السُّلطان القانوني الذي عَلَّقَهُ فوق باب قلعة القَسَنْطِينِية
وما إنْ تَخَلَّصَ العُثمانيونَ من السُّلطان السَّعدي الكبير حتى بدأ التجهيز لغَزْوِ المغرب وإلْحَاقِها بالسَّلْطَنة العثمانية. فيما لم يرفع الأشراف السَّعديُون راية
الإستسلام بل بايَعُوا إبن السلطان المَغْدُور الشَّريف أبو محمد عبد الله الغَالِب الذي واصل نَهْجَ والِدُه بتقوية جبهته الداخلية وحشدُ قوَّاته العسكرية مُصِرًّا على التَّصَدِّي للعثمانيين.
مع رفض بَيْعَةَ السُّلطَانْ سُلَيْمان القانوني الذي أرسل جَيشه في مارس من عام ألف وخمسمائة وثمانية وخمسين لغزوِ المغرب. حيث عَبَرَ جَيشُ الإنْكِشَارِيين البحر المتوسط إلى الجزائر
ونزلت القوَّات بِجَزِيرةِ بَادِسْ لتَزْحَفَ عبر الجزائر بطريقها إلى فَاسْ وعلى رأسها وَالِي العُثمَانِيين بالجزائر حسن خَيْرَ الدِّين باشا إبن خير الدين بَرْبَرُوشة.
بينما في المغرب كان السلطان الجديد إبن الشَّيخ قد إنتهى من تجهيزِ جيشِهِ وخَرج على رأسه نحو الشمال قبل أن تنضمَّ له قبائل مغربية رافضة دخول العُثمانيين. وفي منطقة تِيسَّا شمال مدينة فاس قرب وادي اللَّبَنْ إلْتَقَى الجَيشُ السَّعْدي ذُو الإمكانيات التقليدية والبِدائية بالجيش العُثْمَانِي الجرَّار المُدَجَّج بأحدثِ الأسلحة. فكانت صدمة سُلَيْمان القانُونِي بالإنْتِصَارِ الساحق للجيش السَّعْدي المَغْرِبي .
قبل أن تَنْسَحِب فُلُولُ الجيش التركي الى جزيرة بادِس بعدما أن قُتِل أكثر من نصف جيشها ومنها عادت أدراجَها إلى القَسَنْطِينِية تَجُرُّ وَراءهَا أَحبالُ الهزيمة لينتهي حُلْمُ العُثمانيين نهائيا في ضم المغرب الى إمبراطُورِيَتِهم أما الجيش المغربي السَّعْدِي فقد إغْتَنَمُوا غنائمَ كثيرة من هذه المعركة ليَضْرِبُو موعدا آخر لمعركة أخرى وهي معركة وَادِي المخازن مع البُرْتُغَالِيين .
شكرا
ردحذف